فصل: سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

قال ابن سعد يقال مرتين أحدهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجره وعقد له لواءً وعممه بيده وقال ‏"‏ امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك ‏"‏‏.‏

فخرج في ثلاثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فأتوا بنهب غنائم وأطفال ونساء وشاء وغير ذلك وجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وتابعه نفر من رؤساءهم على الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع علي الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله وأقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم عليٌ على أصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة وقد قدمها للحج سنة عشر‏.‏

قال الرشاطي وفي الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن وذلك في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة فأسلمت همدان كلها في يوم واحد وكتب بذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما قرأ كتابه خر لله ساجداً ثم جلس فقال ‏"‏ السلام على همدان ‏"‏ وتتابع أهل اليمن على الإسلام‏.‏

انتهى كلام الرشاطي ويشبه أن تكون هذه هي السرية الأولى وما في الأصل هو السرية الثانية والله أعلم‏.‏

 حجة الوداع

قال الفقيه الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفارسي أعلم عليه السلام الناس أنه حاج ثم أمر بالخروج معه فأصاب الناس بالمدينة جدري أو حصبة منعت من شاء الله تعالى أن تمنع من الحج معه فأعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عمرة في رمضان تعدل حجة وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من المدينة منذ هاجر عليه السلام إليها غيرها فأخذ على طريق الشجرة وذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر نهاراً بعد أن ترجل وادهن وبعد أن صلى الظهر بالمدينة وصلى العصر من ذلك اليوم بذي الحليفة ليلة الجمعة وطاف تلك الليلة على نسائه ثم اغتسل ثم صلى بها الصبح ثم طيبته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بيدها بذريرة وبطيب فيه مسك ثم أحرم ولم يغسل الطيب ثم لبد رأسه وقلد بدنته نعلين وأشعرها في جانبها الأيمن وسلت الدم عنها وكانت هدي تطوع وكان عليه السلام ساق الهدي مع نفسه ثم ركب راحلته وأهل حين انبعثت به من عند المسجد مسجد ذي الحليفة بالقرآن بالعمرة والحج معاً وذلك قبل الظهر بيسير وقال للناس بذي الحليفة ‏"‏ من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ‏"‏ وكان معه عليه السلام من الناس جموع لا يحصيها إلا خالقهم ورازقهم عز وجل‏.‏

ثم لبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ‏"‏ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ‏"‏‏.‏

وقد روي أنه عليه السلام زاد على ذلك فقال ‏"‏ لبيك إله الخلق ‏"‏ وأتاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية‏.‏

وولدت أسماء بنت عميس الخثعمية زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنه محمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم وتهل ثم نهض عليه السلام وصلى الظهر بالبيداء ثم تمادى واستهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس وليلة اليوم الثامن من خروجه من المدينة فلما كان بسرف حاضت عائشة رضي الله عنها وكانت قد أهلت بعمرة فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تغتسل وتنقض رأسها وتمتشط وتترك العمرة وتدعها وترفضها ولم تحل منها وتدخل على العمرة حجاً وتعمل جميع أعمال الحج حاشى الطواف بالبيت ما لم تطهر‏.‏

وقال عليه السلام وهو بسرف للناس ‏"‏ من لم يكن معه هدي وأراد أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا ‏"‏‏.‏

فمنهم من جعلها عمرة كما أبيح له ومنهم من تمادى على نية الحج ولم يجعلها عمرة وهذا فيمن لا هدي معه وأما من معه الهدى فلم يجعلها عمرة أصلاً وأمر عليه السلام في بعض طريقه وذلك من كان معه هدى أن يهل بالقرآن بالحج والعمرة معاً ثم نهض عليه السلام إلى أن نزل بذي طوى فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون ذي الحجة فصلى الصبح بها ودخل مكة نهاراً من أعلاها من كداء من الثنية العليا صبيحة يوم الأحد المذكور المؤرخ فاستلم الحجر الأسود وطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكعبة سبعاً ورمل ثلاثاً منها ومشى أربعاً يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل طوفة ولا يمس الركنين الآخرين اللذين في الحجر وقال بينهما ‏"‏ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ‏"‏ ثم صلى عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين يقرأ فيهما مع أم القرآن ‏"‏ قل يا أيها الكافرون ‏"‏ ‏"‏ وقل هو الله أحد ‏"‏ جعل المقام بينه وبين الكعبة وقرأ عليه السلام إذا أتى المقام ‏"‏ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ‏"‏ ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج إلى الصفا والمروة فقرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبداً بما بدأ الله به فكان بين الصفا والمروة أيضاً سبعاً راكباً على بعيره يخب ثلاثاً ويمشي أربعاً إذا رقى الصفا استقبل القبلة ونظر إلى البيت ووحد الله وكبره وقال ‏"‏ لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ‏"‏ ثم يدعو ثم يفعل على المروة مثل ذلك‏.‏

فلما أكمل عليه السلام الطواف والسعي أمر كل من لا هدي معه بالإحلال قارناً كان أو مفرداً وإن يحلوا الحل كله من وطئ النساء والطيب والمخيط وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية وهو يوم منى فيهلوا حينئذ بالحج ويحرموا عند نهوضهم إلى منى وأمر من معه الهدي بالبقاء على إحرامهم وقال لهم عليه السلام حينئذ إذ تردد بعضهم ‏"‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه ولجعلتها عمرة ولأحللت كما أحللتم ولكني سقت الهدي فلا أحل حتى أنحر الهدي ‏"‏ وكان أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعلي ورجال من أهل الوفر ساقوا الهدي فلم يحلوا وبقوا محرمين كما بقي هو عليه السلام محرماً لأنه كان ساق الهدي مع نفسه وكن أمهات المؤمنين لم يسقن هدياً فأحللن وكن قارنات حجاً وعمرة وكذلك فاطمة ابنة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسماء بنت أبي بكر الصديق أحلتا حاشى عائشة رضي الله عنها من أجل حيضها لم تحل كما ذكرنا وشكا علي فاطمة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ حلت وصدقها عليه السلام في أنه أمرها بذلك وحينئذ سأله سراقة بن مالك بن جعشم الكناني فقال يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ولنا أم للأبد فشبك عليه السلام أصابعه وقال ‏"‏ بل لأبد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ‏"‏‏.‏

وأمر عليه السلام من جاء إلى الحج على غير الطريق التي أتى عليه السلام عليها ممن أهل بإهلال كإهلاله بأن يبقوا على حالهم فمن ساق منهم الهدي لم يحل فكان علي في أهل هذه الصفة ومن كان منهم لم يسق الهدي أن يحل فكان أبو موسى الأشعري من أهل هذه الصفة وأقام عليه السلام بمكة محرماً من أجل هديه يوم الأحد المذكور والاثنين والثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس ثم نهض صلّى الله عليه وسلّم بكرة يوم الخميس وهو يوم منى ويوم التروية مع الناس إلى منى وفي ذلك الوقت أحرم بالحج من الأبطح كل من كان أحل من أصحابه رضي الله عنهم فأحرموا في نهوضهم إلى منى في اليوم المذكور فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنى الظهر من يوم الخميس المذكور والعصر والمغرب والعشاء الآخرة وبات بها ليلة الجمعة وصلى بها الصبح من يوم الجمعة ثم نهض عليه السلام بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور إلى عرفة بعد أن أمر عليه السلام بأن تضرب له قبة من شعر بنمرة فأتى عليه السلام عرفة ونزل في قبته التي ذكرنا حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت ثم أتى بطن الوادي بخطب على راحلته خطبة ذكر فيها عليه السلام تحريم الدماء والأموال والأعراض ووضع فيها أمور الجاهلية ودماءها وأول ما وضع دم ابن ربيعة بن الحرث ابن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر فقتله هذيل‏.‏

وذكر النسابون أنه كان صغيراً يحبو أمام البيوت وكان اسمه آدم فأصابه حجر عائر أو سهم غرب من يد رجل من بني هذيل فمات‏.‏

 وصف عمله عليه السلام

ووضع أيضاً عليه السلام في خطبته بعرفة ربا الجاهلية وأول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي الله عنه وأوصى بالنساء خيراً وأباحهم ضربهن غير مبرح إن عصين بما لا يحل وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على أزواجهن وأمر بالاعتصام بعده بكتاب الله عز وجل وأخبر أنه لا يضل من اعتصم به وأشهد الله عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمه فاعترف الناس بذلك وأمر عليه السلام أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب وبعثت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن العباس لبناً في قدح فشربه عليه السلام أمام الناس وهو على بعيره فعلموا أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن صائماً في يومه ذلك فلما أتم الخطبة المذكورة أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً لكن صلاهما عليه السلام بالناس مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد لهما معاً وبإقامتين لكل صلاة منهما إقامة ثم ركب عليه السلام راحلته حتى أتى الموقف فاستقبل القبلة وجعل جبل المشاة بين يده فلم يزل واقفاً للدعاء وهنالك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم في جملة الحجيج فمات فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يكفن في ثوبيه ولا مس بطيب ولا يحنط ولا يغطى رأسه ولا وجهه‏.‏

وأخبر عليه السلام أنه يبعث يوم القيامة ملبياً وسأله قوم من أهل نجد هنالك عن الحج فأعلمهم عليه السلام بوجوب الوقوف بعرفة ووقت الوقوف بها وأرسل إلى الناس أن يقفوا على مشاعرهم فلم يزل عليه السلام واقفاً حتى غربت الشمس من يوم الجمعة المذكور وذهبت الصفرة أردف أسامة بن زيد خلفه ودفع عليه السلام وقد ضم زمام القصواء ناقته حتى أن رأسها ليصيب طرف رحله ثم مضى يسير العنق فإذا وجد فجوة نص وكلاهما ضرب من السير والنص آكدهما والفجوة الفسحة من الناس كلما أتى ربوة من تلك الروابي أرخى للناقة زمامها قليلاً حتى يصعدها وهو عليه السلام يأمر الناس بالسكينة في السير‏.‏

فلما كان في الطريق عند الشعب الأيسر نزل عليه السلام فيه فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً وقال لأسامة ‏"‏ المصلى أمامك ‏"‏‏.‏أو كلاماً هذا معناه ثم ركب حتى أتى المزدلفة ليلة السبت العاشر من ذي الحجة فتوضأ ثم صلى بها المغرب والعشاء الآخرة مجموعتين في وقت العشاء الآخرة دون خطبة لكن بأذان واحد لهما معاً وبإقامتين لكل صلاة منهما إقامة ولم يصل بينهما شيئاً ثم اضطجع عليه السلام بها حتى طلع الفجر فقام وصلى الفجر بالناس بمزدلفة يوم السبت المذكور وهو يوم النحر وهو يوم الأضحى وهو يوم العيد وهو يوم الحج الأكبر مغلساً أول انصداع الفجر‏.‏

وهناك سأله عروة بن مضرس الطائي وقد ذكر له عمله أله حج فقال له عليه السلام ‏"‏ إن من أدرك الصلاة يعني صلاة الصبح بمزدلفة في ذلك اليوم مع الناس فقد أدرك الحج وإلا فلم يدركه ‏"‏ واستأذنته سودة وأم حبيبة في أن يدفعا من مزدلفة ليلاً فأذن لهما ولأم سلمة في ذلك وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأذن أيضاً عليه السلام للنساء والضعفاء في ذلك بعد وقوف جمعهم بمزدلفة وذكرهم الله تعالى بها‏.‏

إلا أنه عليه السلام أذن للنساء في الرمي بليل ولم يأذن للرجال في ذلك لا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم وكان ذلك اليوم يوم كونه عليه السلام عند أم سلمة فلما صلى عليه السلام الصبح كما ذكرنا بمزدلفة أتى المشعر الحرام بها فاستقبل القبلة فدعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفاً بها حتى أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس فدفع عليه السلام حينئذ من مزدلفة وقد أردف الفضل بن عباس وانطلق أسامة على رجليه في سباق قريش وهنالك سألت الخثعمية النبي عليه السلام الحج عن أبيها الذي لا يطيق الحج فأمرها أن تحج عنه وجعل عليه السلام يصرف بيده وجه الفضل بن عباس عن النظر إليها وإلى النساء وكان الفضل أبيض وسيماً وسأله أيضاً عليه السلام رجل عن مثل ما سألت الخثعمية فأمر عليه السلام بذلك ونهض عليه السلام يريد منى فلما أتى بطن محسر حرك ناقته قليلاً وسلك عليه السلام الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى منى فأتى الجمرة التي عند الشجرة وهي جمرة العقبة فرماها عليه السلام من أسفلها بعد طلوع الشمس من اليوم المؤرخ بحصى التقطها له عبد الله ابن عباس من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف وأمر بمثلها ونهى عن أكبر منها وعن الغلو في الدين فرماها عليه السلام وهو على راحلته بسبع حصيات كما ذكرنا يكبر مع كل حصاة منها وحينئذ قطع عليه السلام التلبية ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة التي ذكرنا‏.‏

ورماها عليه السلام راكباً وبلال وأسامة أحدهما يمسك بخطام ناقته عليه السلام والآخرة يظله بثوبه من الحر‏.‏

وخطب عليه السلام الناس في اليوم المذكور وهو يوم النحر بمنى خطبة كررها أيضاً فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض والأبشار وأعلمهم عليه السلام فيها بتحريم يوم النحر وحرمة مكة على جميع البلاد وأمر بالسمع والطاعة لمن قام بكتاب الله عز وجل وأمر الناس بأخذ مناسكهم فلعله لا يحج بعد عامه ذلك وعلمهم مناسكهم وأنزل المهاجرين والأنصار والناس منازلهم وأمر أن لا يرجعوا بعده كفاراً ولا يرجعوا بعده ضلالاً يضرب بعضهم رقاب بعض وأمر بالتبليغ عنه وأخبر بأن رب مبلغ أوعى من سامع ثم انصرف عليه السلام إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثاً وستين بدنة ثم أمر علياً فنحر ما بقي منها مما كان علي أتى به من اليمن مع ما كان عليه السلام أتى به من المدينة وكانت تمام المائة‏.‏

ثم حلق عليه السلام رأسه المقدس وقسم شعره فأعطى من نصفه الشعرة والشعرتين وأعطى نصفه الثاني كله أبا طلحة الأنصاري وضحى عن نسائه بالبقر وأهدى عمن كان اعتمر منهن بقرة وضحى هو عليه السلام في ذلك اليوم بكبشين أملحين وحلق بعض الصحابة وقصر بعضهم فدعا عليه السلام للمحلفين ثلاثاً وللمقصرين مرة وأمر عليه السلام أن يؤخذ من البدن التي ذكرنا من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل هو عليه السلام وعليٌ من لحمها وشربا من مرقها وكان عليه السلام قد أشرك علياً فيها ثم أمر علياً بقسمة لحومها كلها وجلودها وجلالها وأن لا يعطى الجازر شيئاً منها على جزارتها وأعطى عليه السلام الأجرة على ذلك من عند نفسه وأخبر الناس أن عرفة كلها موقف حاشى بطن عرنة وأن مزدلفة كلها موقف حاشى بطن محسر وأن منى كلها منحر وأن فجاج مكة كلها منحر ثم تطيب عليه السلام قبل أن يطوف طواف الإفاضة ولإحلاله قبل أن يحل في يوم النحر وهو يوم السبت المذكور طيبته عائشة رضي الله عنها أيضاً بطيب فيه مسك ثم نهض عليه السلام راكباً إلى مكة في يوم السبت المذكور نفسه فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة وهو طواف الصدر قبل الظهر وشرب من ماء زمزم بالدلو ومن نبيذ السقاية ثم رجع من يومه ذلك إلى منى فصلى الظهر‏.‏

هذا قول ابن عمر وقالت عائشة وجابر بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة وهذا هو الفصل الذي أشكل علينا الفصل فيه لصحة الطرق في ذلك ولا شك أن أحد الخبرين وهم والثاني صحيح ولا ندري أيهما هو‏.‏

وطافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس وهي شاكية فاستأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك فأذن لها وطافت أيضاً عائشة ذلك اليوم وفيه طهرت وكانت رضي الله عنها حائضاً أيضاً يوم عرفة وطافت أيضاً صفية في ذلك اليوم ثم حاضت بعد ذلك ليلة النفر ثم رجع عليه السلام إلى منى وسئل عليه السلام حينئذ عن ما تقدم بعضه على بعض من الرمي والحلق والنحر والإفاضة فقال في كل ذلك لا حرج وكذلك قال أيضاً في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالكعبة وأخبر عليه السلام بأن الله تعالى أنزل لكل داء دواء إلا الهرم وعظم إثم من اقترض عرض امرئ مسلم ظلماً‏.‏

فأقام هنالك باقي يوم السبت وليلة الأحد ويوم الأحد وليلة الاثنين ويوم الاثنين وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء وهذه أيام منى وهذه هي أيام التشريق يرمي الجمار الثلاث كل يوم من هذه الأيام الثلاثة بعد الزوال بسبع حصيات كل يوم لكل جمرة يبدأ بالدنيا وهي التي تلي مسجد منى ويقف عندها للدعاء طويلاً ثم التي تليها وهي الوسطى ويقف أيضاً عندها للدعاء كذلك ثم جمرة العقبة ولا يقف عندها ويكبر عليه السلام مع كل حصاةٍ‏.‏وخطب الناس أيضاً يوم الأحد ثاني يوم النحر وهو يوم الرؤوس‏.‏وقد روى أيضاً أنه عليه السلام خطبهم أيضاً يوم الاثنين وهو يوم الأكارع‏.‏

وأوصى بذي الأرحام خيراً وأخبر عليه السلام أنه لا تجني نفس على أخرى واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة من أجل سقايته فأذن له عليه السلام وأذن للرعاء أيضاً في مثل ذلك ثم نهض عليه السلام بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ وهو آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة وهو يوم النفر إلى المحصب وهو الأبطح فضربت بها قبته ضربها أبو رافع مولاه وكان على ثقله عليه السلام‏.‏

وقد كان عليه السلام قال لأسامة إنه ينزل غداً بالمحصب خيف بني كنانة وهو المكان الذي ضرب فيه أبو رافع قبته وفاقاً من الله عز وجل دون أن يأمره عليه السلام بذلك‏.‏

وحاضت صفية أم المؤمنين ليلة النفر بعد أن أفاضت فأخبر بذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأل أفاضت يوم النحر فقيل له نعم فأمرها أن تنفر وحكم فيمن كانت حاله كحالها أيضاً بذلك وصلى عليه السلام بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة وبات بها ليلة الأربعاء المذكورة ورقد رقدة‏.‏ولما كان يوم النحر ويوم النفر رغبت إليه عائشة بعد أن طهرت أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها عليه السلام أنها قد حلت من حجها وعمرتها وأن طوافها يكفيها ويجزئها لحجها وعمرتها فأبت إلا أن تعمر عمرة مفردة فقال لها ‏"‏ ألم تكوني طفت ليالي قدمت ‏"‏ قالت لا فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها أن يردفها ويعمرها من التنعيم ففعلا ذلك وانتظرها عليه السلام بأعلى مكة حتى انصرفت من عمرتها تلك وقال لها ‏"‏ هذه مكان عمرتك ‏"‏ وأمر الناس أن لا ينصرفوا حتى يكون آخر عهدهم بالطواف بالبيت ورخص في ترك ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها‏.‏

ثم أنه عليه السلام دخل مكة في الليل من ليلة الأربعاء المذكورة فطاف بالبيت طواف الوداع لم يرمل في شيء منه سحراً قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء المذكور ثم خرج من كدى أسفل مكة من الثنية السفلى والتقى بعائشة رضي الله عنها وهو ناهض إلى الطواف المذكور وهي راجعة من تلك العمرة التي ذكرنا ثم رجع عليه السلام وأمر بالرحيل ومضى عليه السلام من فوره راجعاً إلى المدينة وخرج من مكة من الثنية السفلى فكانت مدة إقامته عليه السلام بمكة منذ دخلها إلى أن خرج منها إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى المحصب إلى أن وجه راجعاً عشرة أيام فلما أتى ذا الحليفة بات بها فلما رأى المدينة كبر ثلاث مرات وقال ‏"‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ‏"‏‏.‏

ثم دخل عليه السلام المدينة نهاراً من طريق المعرس والحمد لله وحده‏.‏وأما عمره عليه السلام فأربع روينا من حديث قتادة قال قلت لأنس كم اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلّم قال أربعاً عمرته التي صده عنها المشركون عن البيت من الحديبية في ذي القعدة وعمرته أيضاً من العام المقبل حين صالحوه في ذي القعدة وعمرته حين قسم غنائم حنين من الجعرانة في ذي القعدة وعمرته مع حجته‏.‏

وقد روي عن ابن عباس أن عمرة الجعرانة كانت لليلتين بقيتا من شوال‏.‏

 سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى ابني

وهي أرض الشراة ناحية البلقاء قالوا لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مهاجره أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال ‏"‏ سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحاً على أهل أبني وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك ‏"‏ فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده ثم قال ‏"‏ اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ‏"‏ فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم بن حريس فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال ‏"‏ أما بعد أيها الناس فما قالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي إياه من قبله وأيم الله أن كان لخليقاً للإمارة وأن ابنه من بعده لخليق للإمارة إن كان لمن أحب الناس إلي وإنهما لمخيلان لكل خير أي لمظنة لكل خير فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم ‏"‏ ثم نزل فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويخرجون إلى المعسكر بالجرف وثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يقول ‏"‏ انفذوا بعث أسامة ‏"‏‏.‏

فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي صلّى الله عليه وسلّم مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه فطأطأ أسامة فقبله والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة قال أسامة فعرفت أنه يدعو لي ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مفيقاً فقال له ‏"‏ أغد على بركة الله ‏"‏ فودعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يموت فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة ابن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة بن الحصيب أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ليمضي لوجهه فمضى بهم إلى معسكرهم الأول فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر في حبس أسامة فأبى وكلم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلف ففعل فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة فسار إلى أبني عشرين ليلة فشن عليهم الغارة وكان شعارهم يا منصور أمت فقتل من أشرف له وسبي من قدم عليه وحرق في طوائفها بالنار وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم فصارت أعاصير من الدخاخين وأجال الخيل في عرصاتهم وأقاموا يومهم ذلك من تعبئة ما أصابوا من الغنائم وكان أسامة على فرس أبية سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير فوردوا وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيراً إلى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة ستاً وما أصيب من المسلمين أحد‏.‏

وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سروراً بسلامتهم ودخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهوا إلى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‏.‏